كلمة معالي وزير التربية الوطنية الأستاذ عبد الحكيم بلعابد بمناسبة الحفل الختامي لتظاهرة كتابة الرسائل البريدية لسنة 2019

بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله

معالي السيدة وزيرة البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية والتكنولوجيات والرقمنة، الدكتورة هدى إيمان فرعون المحترمة؛

أيها الحضور الكريم، كل باسمه ومقامه
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد،

إنه لمن دواعي الغبطة والسعادة أن أحضر معكم هذا اليوم البهيج لأشارككم الحفل الختامي لتظاهرة كتابة الرسائل البريدية للشباب الأقل من 15 سنة طبعة 2019، تلبية للدعوة الكريمة التي حبتني وشرفتني بها معالي السيدة الوزيرة، وأشاطركم أفراح المتفوقين على المستوى الوطني في هذه التظاهرة الثقافية التي ينظمها سنويا الاتحاد البريدي العالمي.

إن هذه التظاهرة التي يشارك فيها ابناؤنا للمرة الثالثة على التوالي والتي كان موضوعها هذه السنة “أكتب رسالة لبطلك”، لَتُعدّ وسيلة ممتازة من أجل تطوير قدرات الشباب في فن كتابة الرسائل، هذه الأداة التي، فضلا عن مساهمتها في تطوير قدراتهم التعبيرية واللغوية، فهي تسعى إلى استرجاع قيمة الرسالة البريدية كأداة تواصل بين الأفراد والأسر والجماعات، ووسيلة تعارف وتشارك واقتسام.

وهنا، واصالة عن نفسي وباسمكم جميعا، أتقدم بالشكر الجزيل والثناء الجميل إلى كل الإطارات والمستخدمين من قطاعينا الوزاريين على المستوى المركزي وعلى المستوى المحلي، الذين شاركوا في تنظيم هذه المسابقة وأشرفوا على انتقاء أحسن الرسائل وسهروا على إنجاح التظاهرة.

معالي السيدة الوزيرة، سيداتي الفضليات، سادتي الأفاضل،
إنه لمن حسن الصدف أن نحتفي سويا بالمتفوقين في تظاهرة كتابة الرسائل البريدية للشباب لسنة 2019 في هذا اليوم الموافق ليوم العلم، وهي الذكرى التاسعة والسبعون لرحيل رائد الحركة الإصلاحية بالجزائر، العالم الفذ، العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله طيّب ثراه.

وإنها لمفارقة عجيبة أن نحتفل بهذا اليوم الأغر، ونجعل من ذكرى رحيل الشيخ عيدا نحتفي فيه بالعلم والعلماء، وتقليدا وطنيا نرسّخ به حب العلم والتفاني في طلبه لدى الناشئة.

فالاحتفال بهذه الذكرى إذن، له أكثر من دلالة. فهو يعبّر عن عرفان لشخص الشيخ عبد الحميد بن باديس، الرجل الرمز الذي كرّس حياته – رغم قصرها- للذود عن قيم المجتمع والمحافظة على شخصيته وكيانه والتمسك بعناصر هويته؛ حيث كانت جهود الشيخ ابن باديس وجمعية العلماء المسلمين وكل مناضلي الحركة الوطنية منصبّة على مواجهة مخططات الاستعمار الساعية إلى مسخ الشخصية الوطنية لدى أفراد الشعب الجزائري الأبي وهدم كيانه ومقوماته وبخاصة لغته العربية ودينه الإسلامي الحنيف اللذين حافظ الشعب الجزائري بفضلهما ورغم الداء والعداء على هويته الثقافية وعناصره الجوهرية لبنائه الوطني.

وإن الاحتفال بهذه الذكرى يُعدّ، كذلك، اعترافا بقيمة العلم والعلماء وتكريسا لها. فالجزائر، دولة وشعبا، قد أولت على الدوام، وما فتئت، مكانة مرموقة لتربية النشء والمعرفة، باعتبارهما قيمة إيجابية، وعاملا للتحرر والانعتاق من نيّر الأمية والجهل والتخلف، لحتى أضحى طلب العلم والسعي وراءه واجبا شرعيا وعملا تحيطه هالة من القدسية. يقول الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله:”قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”، صدق الله العظيم.

معالي السيدة الوزيرة، سيداتي الفضليات، سادتي الأفاضل،
إننا، ونحن نحتفل بيوم العلم، قطعنا شوطا واسعا في مسار إصلاح المنظومة التربوية، وسنقوم بإرساء تصور جديد وسليم لتربية النشء، ينطلق من مقومات المجتمع وقيمه الأصيلة التي تبلورت خلال مسيرته التاريخية الطويلة، وتحتضن القيم والمبادئ العالمية المكرسة في المواثيق الدولية والأعراف العالمية، لتجعل من متخرج المدرسة الجزائرية مواطنا صالحا، متجذرا في أصالته، متفتحا على عالم عصره، قادرا على التأثير فيه بما يخدم الإنسانية جمعاء. وستكون الأعمال التي سنشرع فيها روافد نعزز بها الإصلاح في مساره الطويل والشاق. لا سيما ما تعلق بالتجديد المنهجي والتأصيل للهوّية، وتعزيز القدرات المهنية من أجل رفع مستوى أداء المدرسين، وتحسين أساليب التسيير. سنعمل على خلق حركية إيجابية تبقى مميزة لمنظومتنا التربوية الوطنية، منظومة تربوية ترنو إلى الرفع من مستوى أدائها وترقية ممارساتها وجودة نتائجها، مجسدة بذلك التزاماتها الدولية، في إطار أهداف التنمية المستدامة، لضمان تربية جيدة، منصفة وجامعة، مع تعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع، وتُنافس بذلك المنظومات التربوية في العالم المتقدم.

إن الأشواط التي قطعتها منظومتنا التربوية منذ الاستقلال لا ينبغي أن تنسينا التحديات التي علينا أن نرفعها، خصوصا في السياقات الجديدة التي يعرفها المجتمع الجزائري ورهانات العولمة وما تقتضيه من تكيف مع التغيرات المتسارعة التي تعرفها المجموعة العالمية. فلابد من تجويد منظومتنا التربوية ببذل مجهود إضافي للاستثمار في التربية ما قبل المدرسية نظرا لأثرها المعتبر على مستقبل المسار الدراسي للطفل، وبالرفع من مستوى أداء المدرسين لأنهم الركيزة الأساسية في كل عمل تربوي، وبالتمكين من استعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال بشكل أوسع وأجود في التعليم والتكوين والتسيير.
في هذا المقام، لا يسعني إلا أن أهيب بما حققته دائرتنا الوزارية في مسعى الرقمنة الذي خطا فيه قطاع التربية الوطنية شوطا معتبرا، حتى اضحى مثالا يقتدى به في مستوى الإنجاز بتكاليف منعدمة بالاعتماد على قدراته الذاتية، وبموارد وكفاءات داخلية محضة، لإقامة النظام المعلوماتي لقطاع التربية الوطنية. وإنها لسانحة أغتنمها لتقديم الشكر الجزيل لقطاع البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية والتكنولوجيات والرقمنة، وعلى راسه معالي السيدة الوزيرة، على الدعم اللامشروط والمتواصل الذي لمسناه والسند القوي الذي حظينا به لتعزيز هذا المسعى، من خلال البرامج العديدة التي أقيمت والمشاريع القيمة التي سطرت، ولعل آخرها مشروع الاتصال عبر القمر الصناعي ALCOM- SAT)) لربط ما يربو عن 27.000 مؤسسة تعليمية على المستوى الوطني بشبكة الأنترنت، لتقريب المسافات ساقية بذلك قرانا ومداشرنا ،كشرايين الجسد الواحد، بمكارم الأخلاق وبسيول العلم والمعرفة. فجزيل الشكر لكم ولبرامجكم الطموحة التي ستعرف المدرسة الجزائرية بها نقلة نوعية في مجال العصرنة.
وفي الأخير أجدد شكري الخالص لكم، معالي السيدة الوزيرة، ولكل إطاراتكم الكفاءة عن مساهمتكم الفعالة في المجهود الوطني لتعميم استعمال ودمقرطة التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال، وجعلها متاحة للجميع، ولا سيما في قطاع التربية الوطنية. كما أتمنى للمتفوقين في الطبعة الثامنة والأربعين من تظاهرة كتابة الرسائل البريدية مزيدا من النجاح في مسارهم الدراسي وكل التألق والتميز في حياتهم المستقبلية.

وفق الله الجميع إلى ما فيه خير وطننا وأمتنا وناشئتنا،
حفظ الله الجزائر والجزائريين،
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار،
أشكركم على حسن صبركم وكرم إصغائكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.