رسالة معالي وزيرة التربية الوطنية إلى المدرسين بمناسبة عيدهم العالمي

رسالة معالي وزيرة التربية الوطنية إلى المدرسين

بمناسبة عيدهم العالمي

– الخميس 05 أكتوبر 2017 –

…..

غدا، سنحيي اليوم العالمي للمعلم، وبهذه المناسبة أريد أن أقف وقفة عرفان وتقدير لكل الأساتذة من التحضيري إلى الثانوي، مرورا بالابتدائي والمتوسط، الذين يكرّسون أيامهم وفي كثير من الحيان، سهراتهم لتربية أطفالنا.
في هذا اليوم الذي يكرّم فيه العالم بأسره المعلمين، أريد أن أقاسمكم تصوّري لمهنة التدريس. بالنسبة لي، مهنتكم – هي في حد ذاتها – تشريف يميّزكم عن غيركم ويمنحكم دور اجتماعي مجزٍ. لقد ائتمنتكم الجمهورية على أغلى ما عندها: أجيال يضمنون لها الديمومة ويمثلون مستقبلها. أيوجد تشريف أكبر من هذا؟ إن مهنة التدريس تمنحكم تقديرا قلّما تمنحه مهن أخرى، فهي من بين المهن الأكثر رفعة ومن بين المهن القليلة التي يمكنها تغيير مسار حياة الفرد.
نعلم جيدا كم يمكن أن تكون مهنتكم مثقلة بالمسؤولية وعبئا ثقيلا ليس من السهل تحمله. ولكننا نعلم، أيضا، كم هي مثمرة وتبعث على الرضا، لأن لقاء التلميذ بمدرس كفء من العوامل الأكثر تأثيرا في نجاح أطفالنا وأكثرها وقعا على حياتهم. فمهنتكم تتطلّب التحكّم في المعارف، التحكّم في المنهجيات البيداغوجية والتعاطف مع التلاميذ. إننا ندين جميعا بنجاحنا لهؤلاء الرجال والنساء الذين علّمونا القراءة والكتابة، وفق هذا وذاك، صقلوا عقولنا وجعلوا منّا مواطنين مسؤولين.
إن الاحتفاء بيوم المعلّم في الخامس أكتوبر من كل سنة، هو أيضا، مناسبة للتعبير عن احترامنا لمن يمارس مهنة التدريس و وقفة للترحّم واستحضار ذاكرة الأستاذات والأساتذة الذين فقدوا الحياة وهم يمارسون وهامهم النبيلة.
إن العمود الفقري للتربية وأهم متدخّل يقع على عاتقه المشروع التربوي الوطني، ذلك الفاعل الذي ينير العقول ويصقل الذكاء – يوم بعد يوم، شهر بعد شهر، سنة بعد سنة – هو أنتم الأساتذة، أنتم من لا يمكننا الاستغناء عنهم ولا تعويضهم بأي شكل من أشكال، رغم كل الابتكارات التكنولوجية.
قناعتي هي أن أهم متدخّل يمكنه أن يكون قاطرة التغيير المنشود لنظامنا التربوي، أهم الفاعلين الذين يمكنهم – أكثر من غيرهم – رفع مستوى المتعلّم، هم الأساتذة أنفسهم، لأن جل التعليم يحدث داخل حجرة القسم. لذلك، جعلنا الأستاذ والمفتش الذي هو في الأساس أستاذ، أهم محور في برنامج عملنا.
إن كفاءة الأستاذ لا يمكن تقديرها على أساس المستوى الأكاديمي والتجربة أو الترسيم، فحسب. إن أفضل طريقة يمكن من خلالها تقييم نجاعة الأساتذة هي تقدير أداءهم داخل القسم وأيضا، بل لنقول خاصة، درجة التقدّم الذي حقّقه تلاميذهم. إن تحدي المدرسة، التي تمارسون مهامكم فيها، لم يعد يتمثّل في توفير مقعد بيداغوجي لجميع الأطفال، بل أصبح يتمثل في توفير نفس فرص النجاح لجميع المتعلمين. لا يمكننا، لا يمكنكم عدم الاكتراث لما نشهده اليوم، من ارتفاع الطلب على دروس الدعم خارج الحرم المدرسي والاقبال المتزايد على هذه الخدمات.
وهنا، أذكّركم بما جاء في الرسالة التي وجهناها لكم بنفس المناسبة، سنة 2015 : ” اليوم، أكثر من أي وقت مضى، علينا أن نتحلّى باليقظة حتى نتجنّب كل الانحرافات أيا كان نوعها، وحتى نحافظ على الخدمة العمومية المتمثلة في التربية، بكل ما تحمله الكلمة من مقتضيات: أخلاقية وأدبية وإنسانية.
إن ما نتطلّع إليه هو تكوين جيل في مستوى التحديات التي كان على الشعب الجزائري مواجهتها أثناء الثورة المجيدة. أقول ذلك لأنني أعتبر أن تأسيس مدرسة للنجاح هو بمثابة ثورة أخرى، مكملّة لثورة أول نوفمبر”.
لكل هذه الاعتبارات، سيكون التكوين، اعتبارا من هذا الموسم الدراسي، شغلنا الشاغل، لذلك سنقوم بتفعيل مخطط وطني استراتيجي للتكوين، يرمي إلى تحقيق أربعة (04) أهداف:
1. تحسين طرق التدريس وممارسات التعلّم بفضل ممارسات مبتكرة،
2. تعزيز احترافية الأساتذة،
3. دعم الاستراتيجيات الوطنية للتكوين المستمر لفائدة كافة موظفي القطاع،
4. وضع آليات للتكوين عن بعد باعتماد تكنولوجيات الإعلام والاتصال، بشكل تدريجي.
إن التكوين وتجديد المعارف، بشكل مستمر، أمر من الأهمية بمكان، لأن كل تلميذ يهجر المدرسة بدون أن تكون لديه المعارف والكفاءات الضرورية التي تسمح له بمواكبة عصره، يمكن اعتباره اخفاقا جماعيا وخسارة كبيرة لمجتمعنا.
للأساتذة أقول: لا تنسوا أن المتعلّم هو سبب وجود المهنة التي تمارسونها. لذلك، خذوا الوقت اللازم لجعله على رأس انشغالاتكم المهنية. خذوا الوقت اللازم للإصغاء إليه. للمتعلمين، أطفال اليوم، مواطنو الغد، كونوا قدوة حسنة، كونوا مثاليين.
إليكم أيها الأساتذة الأفاضل، يعود شرف صقل فكر متسامح ومتفتّح. أنتم أول من يشعر بفرحة تلقين أطفالنا المفاهيم المرتبطة بآداب التعايش. إليكم يعود فضل غرس القيم ذات الصلة بالمواطنة والهوية الوطنية، في نفوس وضمائر أبنائنا. لهذا كله، يمكن القول أنكم في الطليعة عندما يتعلق الأمر بتنمية بلادنا. أنتم البناة الأساسيين للمدرسة الجمهورية. إن افتخاركم بمهنتكم وثقتكم في المستقبل تعتبر مصدر إلهام وثراء لتلاميذكم.
لذلك، من واجبنا جميعا أن نعمل جاهدين ونسعى سعيا حثيثا لتحسين جودة نظامنا التربوي ونثني على ألائك الرجال والنساء الذين يعملون – بإخلاص – لإنجاح أبنائنا، رغم وجود بعض المعوقات.
تأكدوا أيتها الأستاذات الفضليات وأيها الأساتذة الأفاضل أن وصايتكم تدعمكم بكل ما لديها من قوة وأنها ستضمن لكم كل المرافقة التي تحتاجون إليها لأداء مهامكم النبيلة على أحسن وجه.
أتمنى لكم جميعا، سنة دراسية مثمرة.
عيدكم سعيد ودمتم ذخرا لمنظومتنا التربوية.