
ممثلاً للجزائر، يشارك وزير التربية الوطنية، رئيس اللجنة الوطنية للتربية والعلم والثقافة، الدكتور محمد صغير سعداوي، في الفترة الممتدة من 04 إلى 08 نوفمبر 2025، في أشغال الدورة الثالثة والأربعين (43) للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، المنعقدة بمدينة سمرقند بجمهورية أوزبكستان.
وفي هذا الإطار، ألقى السيد الوزير ظهيرة يوم الثلاثاء 04 نوفمبر 2025، كلمة، أبرز من خلالها رؤية بلادنا وجهودها في مجالات التربية، والعلوم، والثقافة، تأكيدًا على التزام الجزائر الثابت بمبادئ المنظمة وأهدافها السامية في خدمة السلام والتنمية المستدامة.
وقد جاء في كلمة السيد الوزير ما يلي:
أيها الجمع الكريم،
نجتمع اليوم في جوهرة الشّرق سمرقند، وقد مرّت ثمانون عامًا على إنشاء منظمتنا هذه، لتكون منصّة للنّقاش والتّحاور حول سبل جعل التربية، العلم والثّقافة أداة لبناء السّلام، ذلك أنّ أسلافنا كان لهم من الحكمة والبصيرة ما جعلهم على يقين بأنّ الاتّفاقيات الأمنيّة والمعاهدات الاقتصاديّة ليست وحدها كفيلة بمنع الحروب والنّزاعات، وأنّ ثقافة السّلام لابدّ أن تزرع في العقول أوّلًا.
ثمانون عامًا واكبت فيها اليونسكو التغيّرات والتّحديات الّتي ما انفكّ يعرفها العالم، وعملت خلالها على الاضطلاع بمسؤوليتها الّتي تنامت وتشعّبت مع مرور السّنين.
وإذ نستحضر اليوم الهدف الأسمى لمنظّمتنا وما حقّقته من إنجازات، فإنّنا كذلك نقف على ما ينتظرها من تحدّيات، خصوصًا مع ما تشهده السّاحة الدّوليّة من انقسامات وصراعات لم تعد تكفي الوساطات والجهود الدّولية لحلّها، الأمر الّذي يؤكّد مجدّدًا على أنّ استئصال جذورها لن يتمّ إلاّ من خلال زرع ثقافة الحوار والتّعايش السلمي والوعي بالمصير المشترك للإنسانيّة، ويذكّرنا بوجوب تعزيز دور اليونسكو كمنظمة حكوميّة متعدّدة الأطراف والآراء، يجمع أعضاؤها على اختلاف وجهات نظرهم أهداف مشتركة وغاية سامية واحدة هي حقّ جميع الشّعوب في العيش الكريم.
وأنا أذكر الحقّ في العيش الكريم، استسمحكم أن أقف لحظة لأذكّر بمعاناة الشّعوب في أصقاع عدّة من العالم من ويلات صراعات يدفع ثمنها الأطفال والنّساء والشّيوخ، مشاهد كنّا نظنّ عهدها ولّى حين اتّفقنا ذات عام 1945 على أن نحلّ خلافاتنا بالحوار والتسوية الودية. وأقسى ما يعاش اليوم، ما يحدث في غزّة، حيث فظاعة الجرائم التي تفوق الوصف تُسائِل إنسانيّتنا، وحيث آلات الدّمار والهدم تمحي آلاف السّنين من تراث كان يومًا يجمعنا. لقد هدمت هذه الحرب السّافرة صورة جميلة كانت شامخة تجسّد عناق المآذن والكنائس في تعايش ديني رفيع.
السيّدات والسّادة،
في بلادي، يتزامن انعقاد هذه الدورة مع الذكرى الواحدة والسبعين لاندلاع ثورتها المجيدة، الّتي مكّنت الشّعب الجزائري بعد كفاح دام قرنًا واثنين وثلاثين سنة من استرجاع السيادة الوطنية، لتبدأ بعدها معركة بناء الجزائر المستقلّة بمساهمة شاباتها وشبّانها الذين يعتزّون اليوم بما حقّقوه من إنجازات ويدركون ما ينتظرهم من تحدّيات.
ففي قطاع التّربية، كرّس الدّستور الجزائري منذ الاستقلال الحقّ في التربية والتعليم المجانيّ لكل فرد دون تمييز، وإنّنا لنفخر بكون نسبة التمدرس الّتي كانت شبه معدومة عشيّة الاستقلال، تقارب اليوم 100%، ولا يفوتني هنا أن أنوّه بالأهميّة الّتي توليها الجزائر لفئة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة لضمان تمدرسهم بما يتماشى واحتياجاتهم.
وفي ذات السّياق، وفي إطار جهودها لتحقيق مؤشّرات الهدف الرّابع للتنمية المستدامة وضمان تربية ذات جودة للجميع، وضعت بلادي استراتيجية وطنية واعدة تشمل، على الأخصّ، تعميم رقمنة التسيير التربوي وتوسيع استعمال التكنولوجيات الحديثة ومراجعة مناهج التعليم بما يتماشى مع متطلبات العصر، مع الحرص على إدراج مواضيع تلقّن الأطفال مبادئ العيش معًا بسلام. وأذكّر هنا أنّ الجزائر كانت من بادرت باقتراح القرار 72/130 الذي تبنّته الجمعية العامة للأمم المتّحدة والمتعلّق بتكريس يوم 16 ماي يومًا دوليًا للعيش معًا في سلام.
وفيما يتعلّق بالتعليم العالي والبحث العلمي، فلقد وضعت بلادي استراتيجية تضع في صدارتها المجالات الحديثة للبحث العلمي، على غرار الذّكاء الاصطناعي، حيث تمّ إنشاء “مجلس علمي للذكاء الاصطناعي” يضمّ خيرة علماء الجزائر، و78 دارًا للذكاء الاصطناعي، مع الحرص على تجسيد النقاط التي تضمّنها الإطار التقني العالمي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي لليونسكو لسنة 2024.
وباعتبارها كانت محطّة لحضارات عدّة يشهد على مرورها تراثها الثّقافي الماديّ وغير الماديّ الغنيّ، فإنّ الجزائر، التي تحتضن مقرّ المركز الإقليمي لحماية التراث الثقافي غير المادي في إفريقيا، حريصة على العمل على تجسيد ما جاء في اتفاقيات اليونسكو بهذا الشأن، وملتزمة بمواصلة جهودها على مستوى المنظّمة من أجل حماية التراث الثقافي في كل مكان في العالم.
ووعيًا منها بأنّ السلام يقوم كذلك على ضمان الوصول إلى معلومات موثوقة، عملت الجزائر على تعزيز التعددية الإعلامية والتنوّع الثقافي واللغوي في الفضاء الرقمي.
ولا يفوتني أن أنوّه هنا بدعم بلادي للدور الهام الذي تقوم به المنظّمة في مجال حماية البيئة وتعزيز الصلة بين الطبيعة والثقافة في ظلّ تزايد مخاطر التغيّر المناخي، وفي هذا السّياق، فإنّني أجدد تضامن بلادي مع الدول التي تضرّرت مؤخرًا من إعصار مليسا.
وبالحديث عن خصوصية احتياجات بعض المناطق، أودّ أن أذكّر بالأهميّة التي توليها الجزائر للأولوية العالمية لإفريقيا واستراتيجيتها التنفيذية، وكذا الأولوية الممنوحة للدول الجزرية الصغيرة النامية، وبكونها ترى أنّ المناقشات المتعلقة بالميزانية يجب ألا تمسّ بهذه الأولويات تحت أي ظرف من الظروف.
السيّدات والسّادة،
انطلاقًا من قناعتها بأهمية منظمة اليونسكو كإطار للحوار وتبادل الخبرات، وحتى تكون لها فرصة المشاركة عن كثب في خدمة مبادئ المنظمة وأهدافها السامية، تتطلع الجزائر إلى الانضمام إلى المجلس التنفيذي لليونسكو للعهدة 2025-2029.
وتُعدّ هذه المشاركة تأكيدًا لمكانة الجزائر الفاعلة ضمن المنظمات الدولية، وتجسيدًا لرؤية رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في جعل التربية والعلم والثقافة ركيزة لتعزيز السلام والتنمية، وإبراز الدور الريادي للجزائر في الدفاع عن القيم الإنسانية النبيلة وتعزيز الحوار بين الشعوب.