رسالة معالي وزيرة التربية الوطنية، السيدة نورية بن غبريت إلى المدرسين بمناسبة عيدهم العالمي

وإن مرت على الاحتفال بعيد الأضحى المبارك بضعة أيام، أريد أن أتقدم للجميع، مجدّدا، بأصدق التهاني وأطيب التمنيّات. إن فرحتنا باستقبال عيد الأضحى المبارك لم تكن مكتملة هذه السنة، حيث فقدنا عددا من الحجاج الجزائريين في حادث منى الأليم. لذلك، أريد أن أترحّم على أرواح كل هؤلاء الحجّاج الذين ماتوا وهم يؤدون مناسك الحج، فلتتقبل منّا عائلاتهم خالص التعازي.

اليوم، نحتفي باليوم العالمي للمعلم. وإنها لمناسبة أستغلها للوقوف وقفة عرفان لآلاف المدرسين الذين يعملون بقطاع التربية الوطنية، هؤلاء المدرسات والمدرسون الذين يساهمون، بكل رزانة، في تكوين أطفالنا، في عالم يعرف الكثير من التحوّلات، حيث عرفت التصورات الاجتماعية لمهنة التدريس تطورات ملحوظة.

إن هذا اليوم العالمي، الذي نحتفي فيه بالمعلم، يذكّرنا بقيمة التربية وأهمية بناء نظام تربوي يدفع إلى النجاح بفضل نوعية التعليم الممنوح وضرورة العمل على توفير محيط مدرسي تسوده السكينة والأمان.

ونحن إذ نشيد، دون تحفظ، بالإنجازات المحقّقة في مجال التربية، نقف، اليوم، وقفة إجلال لكل المدرسات والمدرسين العاملين في القطاع، الذين يرفعون، يوميا، تحديات جمّة، لتربية أبنائنا في وضعيات، غالبا ما تكون معقدّة وصعبة، حتى أن عددا منهم يتوصّل إلى اقتراح وضعيات جديدة للتعلّم، حرصا منهم على تحسين كفاءات تلاميذهم.

كما نستغّل هذه السانحة لتوجيه تحيّة تقدير لكل المدرسين الذين استفادوا من التقاعد وكلّهم حياء وتواضع، بعد أن خدموا المدرسة الجزائرية سنوات طويلة.

إن الاحتفال باليوم العالمي للمعلم يصادف، هذه السنة، حدثا آخرا بالغ الأهمية، هو الذكرى العاشرة لميثاق السلم والمصالحة، الذي شكّل منعرجا حاسما في إعادة بناء البلاد. ونحن، اليوم، إذ ننعم بالسلام والأمان بفضل بنود هذا الميثاق الذي بادر به فخامة رئيس الجمهورية واحتضنه الشعب الجزائري، المتعطّش للسلم والاستقرار، يحقّ لنا أن نتذكّر ونترحّم على أرواح المدرسين الذين ماتوا في ظروف مؤلمة خلال المأساة الوطنية، فرغم كل الصعوبات بقيت المدرسة صامدة بفضل رجالها ولم تتوقف الدراسة بها.

باسم كل ما تقاسمناه من آلام وأوجاع خلال هذه الفترة، علينا أن نرفع تحدي تربية أبنائنا وتعليمهم قيّم الاحترام والأخوة والتضامن وجعلهم يعتزون بجزائريتهم.

إن المدرسين هم أصحاب رسالة نبيلة وهم يقومون بها بكل تفانٍ وإخلاص. إن مهمة المدرسين تتمثّل في ضمان تعليم لأطفالنا وغرس فيهم حب التعلّم وجعلهم ينمّون كفاءات تسمح لهم بالقيام بدور فعّال في مجال يجلب لهم السعادة.

لقد أصبحت المعرفة، اليوم، أكثر من أي وقت مضى، عاملا أساسيا للإنتاج في الاقتصاد العالمي ومرجعا جوهريا في المجتمع.  وقد بات المجتمع المدرسي يشهد تغيّرات متواصلة، ممّا يفرض علينا التأقلم وتحيين المعارف باستمرار.

إن تحسين المردود المدرسي لدى التلاميذ مرتبط بشكل كبير بالتقييم الذي يستند بدوره على المقاربة البيداغوجية المعتمدة من طرف المدرس. ولكن، عند العديد من المدرسين، تعتبر الطريقة البيداغوجية الغالبة هي تلك التي تقوم على تجنيد الذاكرة أكثر من أي كفاءة أخرى، وهو أمر لا يخدم الطموحات التي حددها الإصلاح، حيث جاء في القانون التوجيهي للتربية الوطنية في الفصل الخاص بمهام المدرسة، ما يلي :”تزويد التلاميذ بكفاءات ملائمة ومتينة ودائمة يمكن توظيفها، بتبصّر، في وضعيات تواصل حقيقية وحل المشاكل، بما يتيح للتلاميذ التعلّم مدى الحياة والمساهمة، فعليا، في الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وكذا التكيّف مع المتغيرات”.

إن المقاربة البيداغوجية القائمة على الاسترجاع تحرم الطفل من طفولته. بعد الدروس، بدلا أن يلعب، أن يمارس الرياضة وغير ذلك من النشاطات الترفيهية، يقضي الطفل أغلب وقته مع والديْه في محاولة منه لحفظ دروسه، في جميع المواد. هي مثل هذه الأمور التي تجعل، اليوم، الأولياء يلجؤون، مكرهين، للدروس مدفوعة الأجر، حتى في الطور الابتدائي. إن معاناة الأولياء هذه، تدفعنا بل تفرض علينا العمل سويا من أجل إخراج نظامنا التربوي من هذه الحلقة المفرغة: تلقي الدروس- الحفظ -الاسترجاع. إن احتواء المواد التعليمية على مفاهيم تتطلّب الحفظ هو أمر معقول ومقبول، لكن أن تصبح كل المفاهيم المرتبطة بالمادة التعليمية موضوعا للحفظ، فهنا يكمن الانحراف.

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، علينا أن نتحلّى باليقظة حتى نتجنّب كل الانحرافات أيا كان نوعها، وحتى نحافظ على الخدمة العمومية المتمثلة في التربية، بكل ما تحمله الكلمة من مقتضيات: أخلاقية وأدبية وإنسانية.

إن ما نتطلّع إليه هو تكوين جيل في مستوى التحديات التي كان على الشعب الجزائري مواجهتها أثناء الثورة المجيدة. أقول ذلك لأنني أعتبر أن تأسيس مدرسة للنجاح هو بمثابة ثورة أخرى، مكملّة لثورة أول نوفمبر.

وإذ أتمنى لكل المدرسين عيدا سعيدا بمناسبة الاحتفاء بيومهم العالمي، أدعوهم لمرافقتنا ومساندتنا في بذل الجهود لتحسين نوعية التعليم الممنوح لأطفالنا، مع المحافظة على المبدأين اللذين نرافع من أجلهما وهما، الإنصاف والنوعية.

عيدكم سعيد ودمتم ذخرا لمنظومتنا التربوية.